شرع الله العبادات والشعائر لحكم عظيمة وغايات جليلة ، فهي تزكي النفوس، وتطهر القلوب، وتقرب العباد من ربهم جل وعلا، وهناك معانٍ مشتركة تشترك فيها جميع العبادات، كما أن هناك معانٍ خاصة تختص بها كل عبادة على حدة، ومن هذه العبادات العظيمة عبادة " الحج " الركن الخامس من أركان الاسلام والتى أوشكنا أن نعيش فى رحاب أيامه العطرة المباركة فما يبقى الا أيام قليلة ويظلنا شهر ذى الحجة المبارك بنفحاته الكريمة ،ويبدأ ضيوف الرحمن فى التوافد الى بيت الله ملبين نداء المولى جل وعلا راجين عفوه ورضاه ..
وللحج حكمٌ وأسرار ومعان ينبغي للحاج أن يقف عندها، وأن يمعن النظر فيها، وأن يستشعرها وهو يؤدي هذه الفريضة، حتى يحقق الحج مقصوده وآثاره ، فالحج من أعظم المواسم التي يتربى فيها العبد على تقوى الله عز وجل، وتعظيم شعائره وحرماته.
يقول الله تعالى في آيات الحج: { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } (الحج:32)، وأَمَرَ الحجيج بالتزود من التقوى، فقال سبحانه: { الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب } (البقرة:197)، وبين أن المعنى الذي شرع من أجله الهدي والأضاحي إنما هو تحصيل هذه التقوى ، فقال سبحانه: { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } (الحج:32).
وفى السطور التالية نورد لمن ينوى السفر لأداء فريضة الحج هذا العام بإذن الله الأعمال الواجب عليه القيام بها ، فكثير ممن يعتزمون الحج يجهلون ما يجب ان يؤدوه قبل البدء فى مناسك الحج .. ومن أجل ذلك توجهنا بالسؤال الآتى لبعض العلماء وهو : كيف يستعد المسلم لآداء فريضة الحج ؟
وكانت الاجابه مع الدكتور مبروك عطية -من كبار علماء الأزهر- والذى أوضح لنا انه يلزم على من ينوى الحج أن يكون مستعد له مادّياً ومعنوياً وذلك من خلال القيام بقضاء ما ضيع من حقوق الله الواجبة من صلاة و زكاة و صوم و كفارات و نذور لازمة ، والتخلص من تبعات العباد و رد المظالم المتعلقة بدماء الناس و أموالهم و أعراضهم.
وعليه كتابة الوصية ويوضح فيها ما له و ما عليه ويشهد عليها اثنين ، وعليه ان يتوب من المعاصي و الذنوب توبة
نصوحاً بالإقلاع عنها ، و الندم على ما مضى ، و العزم على عدم العودة إليها في المستقبل قال تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور.
ويسامح أقاربه وجيرانه و يرضيهم ويحسن إليهم فكيف يسافر ويقصد وجه الله وهو لديه خصومات مع جاره او ابن عمه او اهل زوجته مثلاً .
وعليه أيضاً ان ينتقى نفقة طيبة من مال حلال لتسديد مصاريف الحج من حيث التنقل والمأكل والمشرب والمسكن ، قال صلى الله عليه و سلم : ( إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ) ، كما قال حبيبنا المصطفى : ( إذا خرج الرجل حاجاً بنفقة طيبة ، و وضع رجله في الغرز فنادى: لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء : لبيك و سعديك ، زادك حلال ، و راحلتك حلال ، و حجك مبرور غير مأزور ، و إذا خرج الرجل بالنفقة الخبيثة ، فوضع رجله في الغرز فنادى : لبيك اللهم لبيك ، ناداه مناد من السماء : لا لبيك و لا سعديك ، زادك حرام و نفقتك حرام ، و حجك غير مبرور ).
وعلى الحاج التزود بما يكفيه من الزاد للرحلة لئلا يكون عالة على الناس وتهدر كرامته ،ويختار صحبة طيبة من أهل التقوى والأخلاق الفاضلة ، وينبغي عليه إعطاء ما يمكنه من صدقة طلباً لرحمة الله ودفعاً للبلاء ، يقول سيدنا النبى : ( استدفعوا أنواع البلايا بالصدقات ) ، ويقول ايضاً: ( الصدقة تقي مصارع السوء ).
واذا عزم المسلم علي الحج عليه ان يستكمل اجراءات السفر ويتوكل علي الله ولايتردد.، قال تعالي : "فإذا عزمت فتوكل علي الله أن الله يحب المتوكلين".
وإذا حان وقت السفر فادخل الي محرابك واركع ركعتين لله العظيم وحاول ان تستحضر فيهما قلبك واقرأ في الركعة الاولي بعد الفاتحة سورة "الكافرون" واقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة "الاخلاص" وتضرع الي الله في سجودك ان يجعل التوفيق حليفك في حلك وترحالك وان يجعل عملك خالصا لوجهه الكريم وان يعيدك الي بلدك وأولادك غانما سالما.
وعند الخروج من المنزل ودع اهلك وجيرانك وقل لمن تودعه: استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه ويقول لك من تودعه : في حفظ الله وكنفه زودك الله التقوي وجنبك الردي وغفر ذنبك. ووجهك الي الخير أينما توجهت ونحو ذلك من الأدعية.
واقرأ عند خروجك من باب بيتك آية الكرسي وسورة القدر ثم تصدق بصدقة وقل: " اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أذل أو أذل أو أظلم أو أظلم أو ان اجهل أو يجهل علي.
اللهم إني اعوذ بك من الضيعة في السفر والكآبة في المنقلب اللهم اقبض لنا الارض وهون علينا السفر بسم الله توكلت علي الله ولا حول ولاقوة الا بالله. "
فإذا استويت علي الراحلة او الناقلة فقل : "سبحان الذي سخر لنا هذا وماكنا له مقرنين وإنا الي
ربنا لمنقلبون" اللهم إنا نسألك في سفرنا البر والتقوي ومن العمل ماترضي اللهم هون علينا سفرنا واطوعنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الاهل اللهم اني أعوذ بك من عناء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والاهل.
وإذا اتيت بلدة فقل : اللهم إني أسألك خيرها وخير مافيها وأعوذ بك من شرها وشر مافيها.
واذا نزلت منزلا فقل : رب انزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين.
وإذا انزلت متاعك علي الأرض فقل : بسم الله توكلت علي الله اعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ماخلق وذرأ أوبرأ سلام علي نوح في العالمين.
اللهم أعطنا خير هذا المنزل وخير مافيه واكفنا شره وشر مافيه.
وخلال الرحلة على الحاج ان يستحضر في قلبه دائما عظمة الخالق عز وجل ويتذكر انه قادم عليه وراجع اليه وأنه محاسب علي الصغيرة والكبيرة ومجزي بالاحسان احسانا وبالسوء سوءا فما أشبه هذه الرحلة بالرحلة الي دار الآخرة. وعلى المسلم أن يتعلم مناسك الحج حتي يؤديها علي وجهها المشروع، ولا يتردد فى الاستفسار عن اى شىء مهما كان صغيراً .
وأن من عزم السفر لأداء الحج عليه قبل السفر أن يهتم بالآتي :
يجب عليه التوبة الصادقة الى الله تعالى ، فإنه لا يدري لعله لا يرجع الى بلده ، والتوبة مطلوبة في كل وقت ، وهي في مثل هذا السفر المراد به الطاعة تكون أكثر أهمية ، فالندم على كل ما فعله من ذنب ضرورى جدا وكذلك العزم على عدم العودة إليه .
والتخلى عن الذنب الذي تاب منه، هذا إذا كان الذنب فيها بينه وبين الله بمعنى (حقا من حقوق الله فقط ) ، فإن كان حقا من حقوق العباد فإن التوبة لا تقبل إلا برد حقوق العباد إليهم أو أن يسامحوا التائب ويغفروا له ذنبه وحقهم عليه ، فمن سرق مالا أو اغتصبه ، فلا بد من رد المال أو أخذ العفو من صاحب المال ومن ضرب إنسانا أو شتمه أو آذاه بأي نوع فإنه يطلب منه الصفح ويتعذر له حتى يرضى صاحب الحق ، وهكذا.
كما يجب على من ينوى الحج (كتابة الوصية) فهى واجبة على كل مسلم ولكن في السفر أشد وجوبا وذلك بالنسبة لحقوق الناس التي لا يوجد بها سندات أو وثائق تثبتها ، وكذلك بالنسبة لحقوق الله التي لم يؤدها مثل الزكاة والصوم ونحوهما ، ومثل الوصية بـترك معصية يعلم وجودها في أهله ، أو أنهم يعملونها إذا فارقهم كالوصية بالمحافظة على الصلاة وإخراج زكاة المال وعدم السفور والاختلاط غير المشروع بالأجانب .
وعليه أن يتحرى لسفره إن استطاع كما كان يفعل النبي صلوات الله عليه وسلامه عليه ، ويمر على إخوانه ويودعهم ويزور اقاربه ويسألهم الدعاء له ، ويدعو لهم ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك رجلا كان مسافرا ، ولا ننسى أدعية السفر ويجب أن يكون في سفره مساعدا لإخوانه المسافرين معه والله المستعان .